الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

نجاح ديمقراطية يناير قادر على تغيير نموذج الفساد فى مصر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فى الواقع اتشرف بانه تربطنى علاقة جيدة بمؤلف الكتاب وهو من اوئل الناس التى تبنتنى فكريا ً وثقافيا ً وكان دوما ً ما يمدنى بكتب من مكتبته الخاصة وكنت اغتنم فرصة اى لقاء لكى استرشد به واسئله رايه فى احوال ما يحدث لبلادنا إنه
السيد الدكتور / عبد العزيز عــز العرب والذى سياتى التعريف به فى معرض المقال الذى تم نشرة بجريدة الشروق اليومية



بروفسير / عبد العزيز عــز العرب

محمد جاد
نجاح ديمقراطية يناير قادر على تغيير النموذج التاريخى للفساد فى مصر
سلطوية النظام الناصرى مكنت شبكة الفساد من الانقضاض على إصلاحاته الاجتماعية   صعود أحزاب الفلول ونجاح الاحتجاجات العمالية.. يعطينى انطباعا بأن المعركة لم تحسم بعد يجب أن نعود إلى التاريخ لكى نفهم المستقبل.. لذا ذهبنا فى محاولتنا لاستشراف المستقبل، إلى صاحب «الاقتصاد السياسى للقهر»، أحد أهم الكتب التى أرخت للفساد فى مصر،
عبدالعزيز عزالعرب، أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية،


لرسم ملامح الاقتصاد المصرى بعد ثورة يناير، مستندا إلى معرفته العلمية وخبرته فى إدارة مركز تأريخ النشاط الاقتصادى بالجامعة، والتى أتاحت له الاستماع لشهادات مطولة عن تاريخنا الاقتصادى الحديث من صناع القرار ورجال الأعمال.

مكافحة الفساد كانت من أهم دوافع ثورة يناير.. وقد قدمت فى سنة 1991 فى كتابك «الاقتصاد السياسى للقهر» قراءة لتاريخ الفساد فى مصر، فما هى ابرز سماته؟
ــ الواقع أن الكتاب ركز على تحليل النظام القائم فى لحظة تاريخية محددة فى نهاية القرن الثامن عشر، ووجدت أن علاقة السلطة بالمجتمع شابها فساد ضخم فى توزيع الثروة، إذ ابتعدت عن أى منطق اقتصادى يهدف إلى تنمية الطاقات الإنتاجية للبلاد، وتركزت بدلا من ذلك على ما يمكن تسميته ببساطة بمبدأ الاغتصاب القائم على احتكار الطبقة الحاكمة لأداة الردع بصورتيها المادية «القوة العسكرية»، والمعنوية «الأيديولوجيا»، وتوظيف ذلك الاحتكار للاستيلاء على أكبر نصيب ممكن من الأموال ثم توجيهها إلى تدعيم القبضة العسكرية للدفاع عن بقاء تلك الطبقة، وتدعيم شبكة الجباية من جهة، والاستهلاك الترفى من جهة أخرى.

وتزداد خطورة هذا النمط من الفساد عندما يمتص هؤلاء النافذون فائض القيمة ويأتون عليه، ثم يبدأون فى استنزاف الاصول المنتجة ذاتها، فيترتب على ذلك ضغوط اقتصادية تجعل الفلاحين مثلا يهجرون الأرض فتتعرض للبوار. هذا الاستنزاف يذكرنى بما عبر عنه احمد فؤاد نجم والشيخ أمام فى إحدى الأغنيات، فيقول أحد مقاطعها «قصرك المسحور غيلانه، أغبى من دود الغيطان، بعد مص العشب الأخضر يكحتوا عضم العيدان».

ولابد أن ندرك أن الحكم فى ظل تلك الأنظمة يحتاج دائما إلى تبريرٍ لوجوده، لأن السلطة تكون امتيازا أبديا يوفر أيضا السيطرة على الثروة، وليس تفويضا محدد الأجل خاضعا للحساب المستمر. البحث عن التبرير، إذن، من سمات تلك الأنظمة وصياغة المبررات إحدى مهام مؤسساته. وتماما مثلما يروج الإعلام والتعليم الآن لجدارة حاكمٍ ما بالحكم من خلال إسباغ البطولة على عمل قام به، فقد سيقت التبريرات الأيديولوجية للنظام السائد فى زمن الدراسة، وقامت على زعم أن السلطان يملك كل ما على ارض مصر وأن الثروات التى يحصل عليها النافذون فى الدرجات الادنى فى السلطة أو المنتجون فى القاع انما هى تنازل منه عن حقه الاصيل.

هناك أوجه شبهٍ بين النظام القديم والنظام السياسى الذى سعت ثورة يناير إلى الإطاحة به؟
ــ نعم، وإن اختلفت التفاصيل. فهناك أوجه تماثل بين النظام الذى عرضته فى الدراسة وأى نظام آخر يقوم على توظيف أدوات الردع، وصيغتها المعاصرة أجهزة الأمن والإعلام والتعليم، للاحتفاظ بسلطة يمارس من خلالها الحكم لتحقيق المنافع الخاصة. وقد شهدنا نماذج لكل ذلك فى ممارسات الوساطة والسمسرة السياسية، ونقل ملكية أراضى الدولة إلى أفراد من ذوى الحظوة، وبيع الموارد الناضبة للبلاد، وفضائح الخصخصة، ومشروع التوريث، وغيرها.



بل شهدناه أيضا فى التدهور الحاد فى الخدمات المرتبطة بنوعية الحياة مثل الصحة والتعليم والذى يؤثر بالطبع على اهم اصولنا الانتاجية وهم البشر. الا أن «يوتوبيا التحرير» اثبتت أن التجريف لم يصل الى اعماق الانسان المصرى بعد.

لقد استطاع نموذج الفساد الذى عرضته أن يجدد نفسه ويستمر على مدار تاريخنا.. الى اى مدى تستطيع ثورة يناير أن تساهم فى تغييره؟
نظام الحكم السلطوى (أو الدولة التسلطية)، فى تقديرى، هو المرادف للفساد ولنموذج القهر الذى حاولت أن أصفه. فقد قدم جمال عبدالناصر فى تاريخنا القريب تجربة وطنية ثورية من الدرجة الأولى، وسعى لتطبيق سياسات منحازة لطبقات من أدنى السلم الاجتماعى. لكن السلطة بعد وفاته غيرت توجهاتها الاقتصادية بسهولة نسبية.

ومع التسليم بتغيير السياق التاريخى دوليا وإقليميا منذ منتصف السبعينيات بصورة ربما كانت تدفع ناصر نفسه إلى مراجعة بعض سياساته، إلا أن من أهم ما سهل حدوث التحول الجذرى فى سياسات النظام لتصبح موجهة إلى خدمة شبكة متداخلة من المنتفعين الذين لا يمثلون إلا أنفسهم، كان أن ناصر حرم الطبقات التى كان منحازا لها اقتصاديا واجتماعيا من الفعل السياسى المستقل والمباشر.

لكننا اليوم فى لحظة غير معتادة فى تاريخنا، حيث قام الشعب بمختلف طوائفه وثقافاته وطبقاته بالضغط المباشر والمكثف على النظام السياسى حتى أرغمه على إزاحة رأسه، لذلك فمن المؤكد أن ثورة يناير بطابعها الديمقراطى يمكن أن تمثل تحولا مهما فى موازين القوة والفعل يؤدى إلى تحول فى نمط توزيع الثروة.

ويمكن للثورة أن تظل قوة دافعة لإقامة نظام اقتصادى واجتماعى جديد مهما واجهت من مقاومة من المستفيدين من النظام الاقتصادى الذى أسقطت رأسه. لكن المعركة لم تحسم بعد.

فالفئة التى ارتبطت بذلك النظام والتى تراجع نفوذها فى بداية الثورة، تحاول إيجاد موضع قدم من خلال آليات ظهر بعضها مؤخرا، مثل «احزاب الفلول». وفى المقابل بدأت القوى العريضة من المجتمع فى التمرس على الحشد والتعبئة للدفاع عن مصالحها والمطالبة بتعهدات وخطط واضحة فى هذا الشأن، ونرى ذلك فى التحركات المختلفة التى بدأت قبل الثورة بسنوات واكتسبت زخما بعدها فاتسعت لتشمل المعلمين وعمال النقل وغيرهم.

إلى أى مدى يرتبط مجتمع الأعمال فى مصر بنموذج الفساد الذى قدمه النظام السابق، وهل يمثل رجال الاعمال فى مصر قوى مناصرة أم معادية لديمقراطية يناير؟
ــ يبدو لى أن هناك تباينات عديدة بداخل مجتمع الأعمال، فهناك رجال أعمال كبار تكونت أصول ثروتهم وتضخمت بسبب قربهم من النظام السابق، وهو تراكم تنطبق عليه صفة «الريع» بما فيه من طفيلية وغياب للابتكار الإنتاجى، وأنا شخصيا أتردد فى أن أطلق عليهم صفة «رجال الأعمال.» هؤلاء سيكونون من القوى المقاومة للتغيير. وهناك فى المقابل رجال اعمال كبار كانوا رافضين لهذا النظام، وقد رصدنا شهادات لبعضهم قبل الثورة من خلال مركز التوثيق الاقتصادى فى الجامعة الأمريكية. هؤلاء استفادوا من تحرير الاقتصاد وإطلاق آليات السوق فى العقود الاخيرة وكونوا ثرواتهم خلال تلك العقود لكن دون الاعتماد فى ذلك على صلة مباشرة برموز النظام السابق، وبعضهم كان يرفض التوريث ويرغب فى مكافحة الفساد الذى يتضرر هو منه أحيانا.

هل ترى أن ثورة يناير ستسهم فى تحقيق تحول اقتصادى فى مصر؟
ــ الثورات أوقات مناسبة جدا للتحول الاقتصادى. على سبيل المثال فكرة إنشاء بنك وطنى طرحت قبل تأسيس بنك مصر بنحو أربعين عاما، ثم تجددت فى بداية العقد الثانى من القرن العشرين، ثم أصدر طلعت حرب دعوته إليها فى كتابٍ نٌشر فى 1913. لكن الفكرة لم تتجسد على أرض الواقع الا فى عام 1920 اى بعد ثورة 1919 مباشرة، وذلك لأن الثورة حدث استثنائى فى تاريخ الشعوب يعاد خلاله ترتيب الأوضاع بفضل انخراط قوى جديدة فى صنع القرار، وهى تبعث الإيمان فى نفس الشعوب بقدرتها على تحقيق ما كان يبدو صعبا فيما مضى. ومثال على ذلك ايضا قوانين الإصلاح الزراعى وإنشاء السد العالى، وكلاهما كان مطروحا قبل ثورة يوليو ولكن لم يتجسد إلا بعدها وخلال مرحلتها الثورية. والمفارقة فى عصرنا الحالى أن التجريف الذى قام به النظام السابق حال دون الابتكار حتى أنه لم تكن لدينا مشروعات نحلم بها حتى نفكر فى تحقيقها بعد الثورة. وبرغم بعض المبادرات الطيبة التى نسمع بها من آن لآخر، يبدو لى أننا لانزال نفتقر إلى طرح اقتصادى متماسك. وأظن أن اللحظة التاريخية الراهنة مناسبة لبناء تصورنا عن مشروعنا الاقتصادى مهما كان طموحا، والذى سيتحقق إذا اجتهدنا فى صياغته وتوفرت القيادة التى تؤجج إيمان الشعب به.

ليست هناك تعليقات: